samedi 1 septembre 2012

مفهوم الصورة الفنية عند العرب

وكان الجاحظ (ت255هـ) من أوئل الذين تنبهوا إلى المعنى الفني للصورة عندما رأى:((أنّ المعاني مطروحة في الطريق..., وإنما الشأن في اقامة الوزن وتخير اللفظ  .. فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير)). وبهذا ميّز الجاحظ بين المعنى العام (المعجمي) الذي كنـّى عنه بـ(المعنى المطروح في الطريق)،وجوهر الشعر حصرا بـ(إنما) الذي يأتي من تأليف المواد الخام كخيوط النسيج عندما تتألف محكمة بألوان مختلفة ، فينتج عن ذلك شيء جديد هو (الصورة)
وقد ورد لفظ الصورة في قول قدامة بن جعفر (ت337هـ) : (( إن المعاني كلها معرّضة للشاعر، والشعر فيها كالصورة كما يوجد في كل صناعة من انه لا بدّ فيها من شيء موضوع يقبل تاثير الصورة منها، مثل الخشب للنجارة والفضة للصياغة)). فقدامة يقتفي اثر الجاحظ لما رأى (المعاني كلها معرّضة للشاعر) التي جعلها الجاحظ ـ من قبل ـ مطروحة في الطريق. وبهذا الفصل بين المعاني والألفاظ تكون ألفاظ الشعر صورة للمعاني وعلى اساس ذلك ينشأ الفرق في التأثير اعتمادا على المهارة الفنية في منح هذه المعاني العامة (الصورة) التي تصير بها اثرا فنيا، ثم جاء عبد القاهر الجرجاني (ت474هـ) فجمع بين اللفظ والمعنى، وذهب إلى إن الصياغة لا تقع في اللفظ ، وإنما في المعنى المخصوص الذي يتصور في الذهن اولا.
فحازم يفهم (الصورة) من طريق علاقتها بالخيال ، لكونها نتاجه الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالقدرة على الابتكار وادراك علاقات التماثل والتناسب أو التخالف والتضاد بين المدركات الاولية للأشياء . وعلى الرغم من نضج مفهوم الصورة إلا أنها لم تستقر مصطلحا محددا في النقد العربي القديم، وان كان مفهومها واضحا لدى النقاد، فهي تصوير، وصورة، وصياغة، وتشكيل، وأثر الصنعة، إلى غير ذلك من المفردات الدالة على مفهوم واحد... اما القسم الآخر فقد عرّف الصورة على أساس دلالتها، فيرى الدكتور جابر عصفور انها: ((طريقة من طرق التعبير، أو وجه من أوجه الدلالة وتنحصر أهميتها فيما تحدثه في معنى من المعاني من خصوصية وتأثير)).
ويعرفها الدكتور مصطفى ناصف فيرى أن الصورة تستعمل ((للدلالة على كل مالة صلة بالتعبير الحسي، وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري)).
ولعنا نجد ما ورد من تعريف في الموسوعة الفلسفية جامعا لما توصل اليه المحدثون من تعريف الصورة وان تباينت آراؤهم ، إذ يشير التعريف إلى أن الصورة الفنية هي : منهج معين يستعمل في الفن لترديد الواقع الموضوعي في شكل حي ومتعيّن حسي يمكن إدراكه في إطار جمالي محدد، هو نتاج العلاقات بين الاشياء من دون الاشياء، فلا يقف الشاعر بهذا النتاج عند حدود نقل الافكار والعواطف للقارئ، بل يتعدى ذلك لايجاد التصور الجدلي للصورة بوصفها حدا ثالثا يوحد بين الشكل والمضمون.

مصادر الصورة:

الواقع : يمثل المصدر الاول لإنتاجها، فهو ـ لا يتطلب جهدا ذهنيا، ولا بحثا عن العلاقات بين الاشياء لابتكار صورة فنية . فالواقع مفعم بالعلاقات التي يسبغ عليها خيال الإنسان التأليفي البسيط اشكالا فتصبح صورا جاهزة في الذهن، فتكون بحاجة إلى من يجسدها بالكلمات التي تنتج عالما يحاكي (الواقع) وينقله. توظيف الموروث: الصور المستمدة من الموروث قد تكون ذات دلالة ايحائية تحفـّز ذهن المتلقي لتأويل وجودها في نسيج الصورة، وهذا يعني تنشيط الخيال والتفكير في ابعاد الاقتباس ووقائعه النفسية في النص، ومثالها المقتبس من القرآن الكريم. وقد تكون ـ تلك الصورة ـ محاكاة لصورة سابقة أو معاصرة لها، فتتبادل معها التأليف والبناء للصورة، ولكنها في الواقع لا تضيف للنص شيئا جديدا الخيال هو: ((القوة التركيبية السحرية التي.. تكشف لنا عن ذاتها في خلق توازن، أو التوفيق بين الصفات المتضادة أو المتعارضة..؛ الاحساس بالجدة والرؤية المباشرة، والموضوعات القديمة والمألوفة، بين حالة غيراعتيادية من الانفعال ودرجة عالية من النظام، بين الحكم المتيقظ وضبط النفس المتواصل، والحماس البالغ والانفعال العميق والقدرة على خلق اثر موحد من الكثرة، وعلى تعديل سلسلة من الافكار بوساطة فكرة واحدة سائدة أو انفعال واحد مهيمن)).  
 إن صورة الخيال قد ابتكرت العلاقات الجديدة بين الاشياء، وانتزعت صورا غير مالوفة من بنية العلاقات في سياقها الايحائي. ولذا تصبح صورة الخيال اقدر على اثارة التأمل الفني لدى المتلقي.  فرح الفاضلي- مدونة "مقالاتي" http://www.maqalaty.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-2550